لا نستطيع أن نغفل دور الأب على أبناءه
والإظلال عليهم بحبه وخبرته وحكمته وارشاده وتوجيههم التوجيه السليم الذي
يبني ولا يهدم، ويغير إلى الأفضل فيضمن الحياة الكريمة لأبنائه ويسعد
بتحقيق رسالته من تربية أبناءه التربية السليمة.
الأب هو شمس الحياة ومبعث الاستقرار:
الأب هو الذي يتعب ويكافح من أجل تحقيق حياة آمنة حافلة بالاطمئنان
والاستقرار لأبنائه، وهو خبرة الحياة التي يحتاجها الأبناء لحل ما
يواجهونه وما يقابلونه من صعاب وأحداث جمة ومشاكل.
له حق البر والتكريم عند الكبر والشيخوخة:
له حق الإحسان إليه وطاعته، واللطف معه، والحنان عليه، وتحقيق كل ما
يتمناه، وود الصحبة والعشرة ومرافقته في الخير والشر. فحق له الأدب في
الحديث معه، وحسن المعاملة، والنفقة عليه في حالة الاحتياج، ولقد قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
{أنت ومالك لأبيك} (رواه ابن ماجة في صحيح الجامع)
فلوالدك عليك حق النفقة والرعاية عند الكبر والشيخوخة.. فرفقا واحسانا واحتراما وودا ورحمة به يرحمك الله في الكبر.
وفيما يلي نماذج حية من بر الأبناء للآباء نري فيها ضآلة حجم أعمالنا
بجوار أعمالهم التي خرجت من قلوب أخلصت لله عز وجل... نذكرها ونضعها بين
يديك تذكرة... فالذكري تنفع المؤمنين عسي أن نقتدي بها:
- روي أنه قيل لعمر بن زيد: كيف بر ابنك بك ؟ قال ما مشيت نهارا فقط الا
وهو خلفي، ولا ليلا الا مشي أمامي ولا رقي سطحا الا وأنا تحته.
- روي أن ولدا بارا بأبوه كان صالحا ، وكان يبذل جهده لينال رضا الله ، ويكتسب محبة والده.
وفي يوم من الأيام أعجبه بره بوالده، واغتر بكثرة احسانه اليه، وجميل فضله عليه، فقال لأبيه:
اني أريد أن أصنع بك من البر والخير أضعاف ما فعلته بي في صغري من الجميل،
والاحسان ووالله لا تطلب شيئا مهما كان عسيرا الا يسرته لك ، أو بعيدا الا
قربته منك.
وكان الوالد حكيما مجربا ، فلم يشأ أن يصدم ابنه في مشاعره أو يجرح احساسه ووجدانه.
فقال له : يابني لست أشتهي شيئا في هذه الحياة الا رطلا من التفاح
أسرع الابن وأحضر له أرطالا من التفاح ووضعها بين يديه، وقال خذ منها
حاجتك أو خذها كلها فاذا فرغت من تناوله أحضرت لك أضعاف أضعافه، فأنا أقدر
علي كل شيء تطلبه.
وقال الأب: أن في هذا القدر من التفاح كفاية لنفسي، وسد لحاجتي ولكن
لا أريد أن آكله هنا، ولا تطيب نفسي الا بتناوله فوق قمة هذا الجبل ،
فاحملني اليه يابني ان كنت بارا بي فهش الابن لمطلبه وقال: لك هذا يأبي ثم
وضع التفاح في حجره ، وحمله علي كتفه وصعد به الجبل حتي وصل الي أعلاه ،
وأجلسه في مكان مريح، ووضع التفاح بين يديه وقال له:
( يا أبتاه خذ حاجتك منه ، فان نفسي طيبة بذلك)
فجعل الوالد يأخذ التفاح لا ليأكله، ولكن ليرمي به الي أسفل الجبل ، فاذا
فرغ منه أمر ابنه أن ينزل فيجمعه له وتكرر ذلك ثلاث مرات، وكلما قذف به
الأب، يعيده الابن، وفي المرة الرابعة نفذ صبر الولد وضاق صدره وأخذ يغمغم
مغتاظا، ففطن الأب الي الغضب في وجهه فروح عن نفسه ، وربت علي كتفه وقال
له:
( لا تغضب يابني ففي نفس هذا المكان ومن فوق هذا الجبل كنت ترمي بكرتك
فأنزل مسرعا لأعيدها، ما أخذني الملل ولا أجهدني التعب حرصا علي ارضائك
وانت صغير)
هذه القصة تبين لنا أننا لا نستطيع أن نقدم لآبائنا ما قدموه لنا فلنبر بهم ، وندعو لهم، ونستغفر لهم أحياءا وأمواتا.
- يحكي أنه كان رجل له أربعة بنين فمرض فقال أحدهم: اما أن تمرضوه، وليس لكم من ميراثه شيء، واما أن أمرضه وليس لي من ميراثه شيء
قالوا : بل تمرضه، وليس لك من ميراثه شيء، فمرضه حتي مات ، ولم يأخذ من
ميراثه شيئا. قال: فأتي في النوم فقيل له: ائت مكان كذا وكذا، فخذ منه
مائة دينار.
فقال: أفيها بركة ؟
قالوا: لا
فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته: فقالت: خذها، فان من بركتها ان نكتسي منها ، ونعيش بها.
فلما أمسي أتي في النوم فقيل له: ائت مكان كذا وكذا فخذ منه عشرة دنانير فقال: أفيها بركة؟
قالوا: لا
فلما أصبح ذكر ذلك لامرأته، فقالت له مثل قولها السابق، فأبي أن يأخذها.
فلما أمسي أتي في النوم فقيل له: ائت مكان كذا وكذا، فخذ منه دينار.
فقال : أفيه بركة ؟
قالوا: نعم
قال: فذهب فأخذ الدينار، ثم خرج به الي السوق، فاذ هو برجل يحمل حوتين
فقال: بكم هما ؟
قال : دينار فأخذهما منه ، وانطلق بهما الي بيته، فلما شقهما وجد في بطن كل منهما درة لم ير الناس مثلها،
فبعث الملك يطلب درة يشتريها لم توجد الا عنده فباعها بثلاثين وقرا ذهبا.
فلما رآها الملك قال: ما تصلح هذه الا بأخت فاطلبوا أختها ولو ضعفتم الثمن فجاءوا فقالوا: أعندك أختها
ونعطيك ضعف ما أعطيناك؟
قالوا: نعم فأعطاهم الثانية بضعف ما باع به الأولي، وهذا جزاء ما أحسن الي أبيه.
هذه ثلاثة نماذج حية عن بر الأبناء بالآباء ، ولتعرف أنه مهما أعطيت وقدمت
وأنفقت فلن تستطيع أن توفي حق أبيك وأن تؤدي شكره، وبالرغم من ذلك وهو في
هذه السن الكبيرة سن الشيخوخة برضي ويسعد بلمساتك
الرقيقة الممتزجة بالحب والحنان واللطف والود والرحمة وتكسب دعوته لك، وتنال رضا الله لرضاه عليك، وتفوز بمكان في الجنة.
وكان الأمر الالهي والدعوة الربانية في الكثير من آيات القرآن الكريم بالاحسان الي الوالدين بعد توحيده سبحانه وعبادته.
( وللحديث بقية)